المقصود بالتعليم بـ التغطيس، أو تعليم اللغة بـ الانغماس:
تغطيس الطالب في اللغة بحيث تحيط به من كل مكان في بيئة التعلم، فيتكلم بها، ويخاطب بها، ويسأل بها، ويعبر عن رأيه ووجهة نظره ومشاعره بها.
تعلمَ العربيُّ اللغةَ العربيةَ قديمًا في مجتمع عربي يتكلم بالعربية، فكانت العربية لغتَه الأمَّ التي يتعلمها بالممارسة من دون الحاجة إلى تعلم النحو العربي، بل كانت غريزته اللغوية الفطرية تساعده في اكتشاف القواعد اللغوية ذاتيًا والقياس عليها وإعادة إنتاجها في حديثه اليومي، وخطابه الأدبي، قبل ظهور النحو العربي، ومن دون الحاجة إلى تعلم قواعده وأصوله.
أما اليوم، فيتعلم الطفل العربي العامية العربية؛ وهي ذات نظام نحوي مختلف تمامًا عن العربية الفصيحة، وإن كانتا تلتقيان في كثير من مفردات المعجم اللغوي، فتغدو العامية لغتَه الأم، وعليه أن يتعلم العربية في المدرسة كما يتعلم أية لغة أجنبية عن طريق تعلم النحو والقواعد!
وبناء على ذلك فإن العرب اليوم ليسوا متكلمين أصليين بالعربية الفصيحة، وهم يجدون الصعوبة ذاتها التي يجدها الأعجمي في تعلم العربية عن طريق تعلم النحو وعلومه المختلفة، من دون أن تكون لديهم ملكة التحدث بالفصحى ولا القدرة على تذوقها وإنتاجها. وهذه المشكلة عامة نجدها لدى كثير من المختصين باللغة العربية!
تغطيس الطالب في بيئة تعليمية فصيحة تتكلم بالعربية وتمارسها في مختلف الأدوار، وللتعبير عن كل الأغراض والحاجات، هو أساس تعلم الفصحى، والسرّ الحقيقي لإتقانها لغةَ تعبير ومخاطبة، لا لغة قراءة ومطالعة فحسب.
إن البيئة اللغوية الفصيحة توفر للطالب النموذجَ اللغوي السليم المسموع، وتجبره على استعمال اللغة العربية وممارستها، ما يهيئه لاكتشاف قواعد النحو ذاتيًا بقدرته الفطرية، والقياس عليها، وإعادة إنتاجها في حديثه وتعبيره، من دون الحاجة إلى تعلم قواعد النحو، ولا دراسة علومه وأصوله، وهو ما يعتبر مصدر التصور الشائع لدى الطلاب بصعوبة اللغة العربية!
اعتماد هذه المنهجية؛ أي منهجية التغطيس والممارسة، يجعل الطالب متكلمًا بالعربية، ومتحدثًا أصيلاً بها قادرًا على التعبير بها وتذوق نصوصها وأدبها. وقد حرص أجدادنا قديمًا على تغطيس أبنائهم في البيئة العربية السليمة الخالية من اللحن بإرسال أولادهم في مراحل تعلم اللغة الأولى إلى بوادي العرب البعيدة عن تأثير العجم.
منهجية التغطيس قابلة للتطبيق من قبل الأهل، وفي المؤسسات التعليمية في مراحل التعليم الأساسي، وهناك نماذج تعليمية كثيرة طُبِّقت فيها تجربة التغطيس التي وضع أسسها الدكتور عبد الله الدنان، وأعطت نتائج عظيمة.
وقد اعتمدت منصة العربية المجيدة منهجية التغطيس أساسًا في تعليم اللغة العربية لتكون اللغةَ الأم للطلاب، فلا يعودون مضطرين إلى تعلم النحو إلا بقدر ما ينمّون به معرفتهم باللغة، ويرغبون في التخصص في علومها وقواعدها.